قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947 ، وموقف الحركة الوطنية الفلسطينية منه
في ظل هذه الظروف ، وبعد أن أحبطت الدول الاستعمارية والحركة الصهيونية والرجعية العربية ، أية إمكانية من شأنها إتاحة الفرصة لقيام دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة ، يضمن فيها مصالح كلا الشعبين ، الفلسطيني واليهودي ، فقد أصبح التقرير الذي قدمته لجنة تقصي الحقائق إلى الأمين العام للأمم المتحدة ، والذي يوصي بتقسيم فلسطين هو الحل الأكثر قبولا بالنسبة للمجتمع الدولي ، والأكثر إمكانية للتحقيق والتطبيق واقعيا في ظل الظروف المحلية والدولية .
في الدورة الثانية العادية للجمعية العمومية ، وفي اجتماعها الثامن والعشرين بعد المائة ، اتخذت قرارها رقم (181) في 29/11/1947 بأكثرية 32 صوتا ومعارضة 13 صوت وامتناع 11 ، بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ويربط بينهما اتحاد اقتصادي ، وجلاء القوات البريطانية المنتدبة على فلسطين في أقرب وقت ممكن على أن لا يتعدى في أي حال من الأحوال الأول من آب 1947 . وبموجب هذا القرار فقد خصص قرار التقسيم للدولة اليهودية 55% من أراضي فلسطين التاريخية ويسكنها من الفلسطينيين ما نسبته 45% من عدد سكان فلسطين.
لقد كانت ردود الفعل على قرار التقسيم قوية جدا وخاصة في أواسط الشعوب العربية والشعب الفلسطيني وحركته الوطنية. ففي الثامن من ديسمبر 1947 عقدت اللجنة السياسية للجامعة العربية اجتماعها في القاهرة لمناقشة الوضع الذي ترتب على قرار هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين. وقد قررت العمل على إحباط هذا المشروع والحيلولة دون قيام دولة يهودية في فلسطين ، وفي 17/كانون أول /1947 ، أصدر رؤساء الوزراء العرب المجتمعين بيانا سياسيا نددوا فيه بهيئة الأمم المتحدة التي أقدمت على اتخاذ مثل هكذا قرار ، والذي يعتبر إجحافا وظلما بالشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة ، وقد جاء في البيان " أن هيئة الأمم المتحدة قد هدرت حق كل شعب في اختيار مصيره وتقريره ، وأخلت بمبادئ الحق والعدالة جميعا ، وهي قد رسمت للتقسيم حدودا تجعله غير قابل للتنفيذ ، وتجعله أيضا مصدر للاضطرابات والفتنة " وقد أكدوا على أن الحكومات العربية سوف " تقف صفا واحدا في جانب شعوبها في نضالهم لترفع عن إخوانهم الفلسطينيين وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم وتحقيق استقلال فلسطين ووحدتها " وقد قرر رؤساء وممثلي هذه الحكومات " أن التقسيم باطل من أساسه وقرروا كذلك عملا بإرادة شعوبهم أن يتخذوا من التدابير الحاسمة ما هو كفيل بإحباط مشروع التقسيم الظالم ونصرة حق العرب " بيان رؤساء الحكومات العربية الصادر في القاهرة في 17/كانون الأول /1947 .
أما على صعيد الحركة الوطنية الفلسطينية فلم يكن الموقف من قرار التقسيم موحدا، بل كان مختلفا في النظرة له ولمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. فعصبة التحرر الوطني في فلسطين ، قد اتخذت موقفا مؤيدا لهذا القرار ، وقد استندت في ذلك على أن قرار التقسيم هو أحسن الشرين وأن الشعب الفلسطيني يتعرض إلى مؤامرة تصفية وجوده والقضاء على كيانه ، وأن هذه المؤامرة في الواقع تتجاوز حدود التقسيم نفسه . ولم تكن موافقة عصبة التحرر الوطني في فلسطين على هذا القرار لإدراكها بأنه ليس الحل الأمثل للمشكلة الفلسطينية ، بل لأنه في حال تنفيذه الكامل في إقامة دولتين عربية
ويهودية، سيحول دون إنزال كارثة حقيقية بالشعب الفلسطيني ومن ثم سيتم الحفاظ على شخصيته وكيانه في أطار دولة فلسطينية مستقلة، وبقاءه في أرضه بعيدا عن التشرد والقتل والتدمير. ومن هنا جاءت موافقة العصبة في شباط 1948 على قرار الأمم المتحدة والتي ترافقت مع الحملة الواسعة التي قامت بها العصبة لإقناع الجماهير العربية بالبقاء فوق أرضها ومنع القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية من تمرير المؤامرة التي كانت تحاك ضد الشعب الفلسطيني. هذه الحقيقة لم يتم إدراكها إلا بعد مرور أربعين عاما على قرار التقسيم، حيث أقرت المجالس الوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية البرنامج السياسي الذي يتحدث عن دولتين لشعبين. أما من الجهة الأخرى فقد رفضت الهيئة العربية العليا والتي تضم في إطارها الأحزاب التالية ( الحزب العربي ، حزب الدفاع ، حزب الاستقلال ) والتي تتزعمها قيادة تقليدية مرتبطة بالأنظمة العربية الرجعية قرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم المتحدة .
في الثلاثين من تشرين الثاني 1947 بدأت الصدامات المسلحة بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية ( الهجانا ، الأرغون ، شترن ) في مدينة القدس ، ومنها انتقلت إلى بقية مدن وقرى فلسطين ، بالرغم من عدم وجود تكافؤ بين الطرفين من ناحية السلاح والعتاد والتدريب والتنظيم ، فكل هذه المسائل كانت لصالح العصابات الصهيونية وترجح كفة الانتصار على العرب ، إضافة إلى التحيز الواضح للسلطات البريطانية المنتدبة ، والدعم الأمريكي لهذه العصابات . وقد شكلت الهيئة العربية العليا جيش " الجهاد المقدس " في محاولة منها لتنظيم وتأطير المتطوعين في الكفاح الوطني ضد الحركة الصهيونية ، وتطور ذلك في محاولة للالتصاق بالجماهير بشكل أعمق ، حيث " تشكلت في المدن والقرى الفلسطينية " اللجان القومية " على غرار لجان ثورة 1936 القومية لتنظيم الكفاح وترتيب أمور المدنيين " . الحركة الوطنية الفلسطينية ( 1948 – 1970 )، أحمد صادق سعد وعبد القادر ياسين ص 15.
هذا الموقف الذي اتخذته الهيئة العربية العليا ، لم ينسجم مع موقف جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية ، ألا وهي عصبة التحرر الوطني ، مما أدى إلى بروز المشاحنات ، والهجوم الكبير على العصبة وقيادتها الذين عملوا جهدهم من أجل شرح موقفهم من قرار التقسيم للجماهير الفلسطينية بشكل واضح . وقد تم اتهامهم بالعمالة للاستعمار والصهيونية ، وتمت ملاحقتهم وطردهم وتشريدهم وإبعادهم وسجن البعض الأخر في محاولة يائسة من طرف الهيئة العربية العليا لمنع نشاط الشيوعيين وعدم إيصال سياستهم إلى أوسع قطاعات شعبهم الفلسطيني .
لم يكن الموقف المعادي من قرار التقسيم الذي اتخذته القيادة التقليدية للشعب الفلسطيني والحكومات العربية الرجعية ، إلا محاولة واعية لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة ، وأكد على ذلك اللقاء الذي جرى في تشرين الثاني 1947 بين الملك عبد الله ابن الحسين ومندوبة الوكالة اليهودية " غولدا مائير " وتباحثا حول مشروع التقسيم الذي كان يناقش في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، حيث أخبرها الملك انذاك بأنه سيأخذ القسم العربي من فلسطين ، لأنه لن يسمح لدولة عربية أن تنشأ فيه ....... وقال أيضا " كلانا يواجه خطرا مشتركا يقف عقبة إزاء خططنا وهو المفتي ( رئيس الهيئة العربية العليا ) . منظمة التحرير الفلسطينية – د. إميل توما ص18 – ص19. و على الرغم من أن هذا القرار لا يلبي المصالح والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني إلا أنه كان أحسن الشرين ، حيث وضع الشعب الفلسطيني أمام خيارين لا ثالث لهما :
- أما قيام دولة فلسطينية حسب قرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم المتحدة على جزء من الأراضي الفلسطينية بجانب دولة إسرائيل .
- وأما تنفيذ المؤامرة التي من شأنها تشريد الشعب الفلسطيني والقضاء على كيانه ووجوده ، والمزيد من الويلات والدمار والضحايا لهذا الشعب .
وللأسف الشديد فقد اختارت الحكومات العربية الخيار الثاني الذي لا زال الشعب الفلسطيني يعاني منه حتى أيامنا هذه ، بل والأكثر من ذلك يعمل الآن جاهدا في ظل موازين القوى الحالية لطرح ما كان يطرح قبل أكثر من خمسين عاما ، وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة إسرائيل على حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، وعلى مساحة أراضي أقل بكثير مما خصصها قرار التقسيم في 29 / تشرين ثاني / 1947 .
يتبع...............
الإثنين مايو 09, 2011 9:32 pm من طرف حشفاوي عنيد
» الحزب الشيوعي المصري يخرج للعلن بعد 90 عاماً من الحظر
الإثنين مايو 02, 2011 5:55 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنىء الطبقة العاملة الفلسطينية بعيد العمال العالمي
الإثنين مايو 02, 2011 5:52 pm من طرف Admin
» هل يهمكم نجاح المنتدى ... إذا ادخلوا هنا وخذوا بعض الإرشادات.
الإثنين مايو 02, 2011 5:50 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنئ الطوائف المسيحية بحلول الاعياد المجيدة
الأحد مايو 01, 2011 12:04 am من طرف ابو مالك
» الصالحي: كل التحية للشعب المصري ومن اجل تعزيز الارادة الشعبية الفلسطينية
الجمعة فبراير 04, 2011 4:01 am من طرف Admin
» حزب الشعب: الصمود السياسي واستخلاص العبر كفيل بحماية منظمة التحرير الفلسطينية
الإثنين يناير 31, 2011 6:22 pm من طرف Guevara
» عميره: ما نشر عني حول وثائق الجزيرة جاء مجتزءا ولم يغط جميع جوانبه
الإثنين يناير 31, 2011 6:20 pm من طرف Guevara
» عميره لــ " الاتحاد ":لو كان توجه "الجزيرة" حياديًا لما تم عرضه بهذه الطريقة المسيئة للشعب الفلسطيني
الإثنين يناير 31, 2011 6:18 pm من طرف Guevara