الوضع الدولي الراهن وأثره على نضال شعبنا
عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وما ترتب على ذلك من تغير نوعي في الوضع الدولي ، حاولت الولايات المتحدة ، ولا تزال ، فرض نظام عالمي جديد ذي القطب الواحد. ولجأت لفرض ذلك الى أدوات وآليات منها :
1- العدوان العسكري المباشر ، كما جرى في حرب الخليج الثانية ، والتي كانت بمثابة استعراض قوة وإنذار ، لدول العالم الثالث في الأساس، وكذلك حشد الأساطيل والجيوش ، كما هو قائم في منطقة الخليج العربي .
2-إحكام القبضة على مجلس الأمن الدولي ، واستصدار قرارات منه تؤمن الغطاء لأعمال العدوان الأميركية ، وكذلك لفرض العقوبات المتفاوتة في قساوتها، كما هو الحال مع كل من العراق وليبيا و السودان .
أما على الصعيد الاقتصادي فتتصدى الولايات المتحدة لزعامة عملية العولمة بإسم الليبرالية الجديدة ، مرفقة بمحاولة تعميم الثقافة الأميركية الاستهلاكية . وقد عرفت هذه العملية في السنوات الأخيرة تطورا أفقيا و عاموديا. أفقيا : بالتوسع في بلدان المعسكر الشرقي ، بعد انهيار أنظمتها بداية هذا العقد. وعاموديا :باستخدام معطيات ثورتي المعلومات و الاتصالات المذهلتين ، جنبا الى جنب مع تعاظم عملية اندماج شركات من جنسيات مختلفة ، تقدر قيمة كل عملية منها بعشرات مليارات الدولارات أحيانا.وفي هذا المضمار تستخدم الولايات المتحدة مجموعة من الأدوات الفاعلة منها : البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة الغات (للتجارة الدولية ) التي تهيمن عليها .
و تؤكد حصيلة التطور العالمي ، خلال عملية العولمة ، ازدياد الهوة بين الدول الغنية و الفقيرة . فإذا بلغ حجم الإنتاج العالمي وفق تقدير حديث خمسة و عشرين تريليون دولار ، فإن نصيب الدول السبعة الكبار منها هو ثمانية عشر تريليونا.و إذ تدمر عملية العولمة ، للشركات ما فوق القومية ، أسوار استقلال الدول - مدعومة بالقيادة السياسية الأميركية ، وذلك لتأمين أفضل الشروط لحركة رأس المال الدولي - فإنها بالمقابل تحدد حركة الإنسان الشغيل .ويمكن القول بأن هناك تناسبا عكسيا بين تطور هذين الطرفين في عملية العولمة . لقد غيرت هذه العملية مفهوم الاستقلال السياسي و الاقتصادي و حتى الثقافي . وتقود عملية العولمة الجارية الى فرز العالم اجتماعيا الى عالمين : العالم الأول و العالم الثالث، الذي يضم ، علاوة على شعوب البلدان المتخلفة ، شغيلة البلدان الرأسمالية المتطورة التي تتعرض مكاسبها للتآكل.
لكن تطلعات الولايات المتحدة للهيمنة العالمية راحت تواجه تحديات ، ينبغي توقع تفاقمها ، نابعة من اعتبارات مختلفة ويمكن منذ الآن رصد بعض مظاهرها الأولية و منها :
1-نمو التعارض بين مصالح الدول الرأسمالية الكبرى- و من تجلياته تحدي شركة توتال الفرنسية لقرار الحظر الأميركي على توظيف مبالغ كبيرة في حقول النفط والغاز الإيرانية - وحيث تلعب الكتل الاقتصادية العملاقة ، كالسوق الأوروبية و منظمة نافتا (التي تضم الأسواق الأميركية و الكندية و المكسيكية) ، دورها في التأثير على حجم وطبيعة هذه التناقضات .
2- التمرد على إرادة واشنطن الموجهة لقرارات مجلس الأمن ، والتي تكيل بمكيالين . وفي هذا الصدد ، اتخذ مؤتمر الوحدة الأفريقية الذي انعقد في حزيران الماضي قرارا بتحدي الحظر المفروض على ليبيا في عدد من جوانبه , ونفذ هذا التحدي عدد من الرؤساء الأفارقة . والشيء ذاته يمكن ان يقال عن خرق الحصار الأميركي على كوبا .
3- و إذا كانت جبهة رأس المال ، التي تقودها الشركات ما فوق القومية ، تزداد جبروتا ، وإذا كانت جبهة العمل بالمقابل على النطاق العالمي ، ما تزال متخلفة عن مستوى هذا التحدي في صورته و اتساعه الجديدين ، فانه ينبغي الافتراض بأن هذه قضية وقت ليس إلا، وان إرهاصات ولادة جبهة عمل عالمية منظمة ، راحت تبدو ظاهرة للعيان ، ولو جزئيا وفي مواقع و حالات متباعدة، كما بدا في مظاهر التضامن الدولي مع مضربي فرنسا العام الماضي، و إضراب عمال مناجم الفحم في بريطانيا العقد الماضي ، مع ضرورة الانتباه لدور التقاليد النضالية للتضامن العمالي الأممي التي كرسها الأول من أيار.
4- و ينبغي الافتراض بأن ثلاثة جداول ستتلاقى بالنتيجة لتشكيل جبهة عالمية عريضة ضد المعطيات السلبية المدمرة لعملية العولمة ، و لتحويل معطيات هذه العملية لصالح البشرية ، وهذه الجداول هي :
أ-شغيلة البلدان الرأسمالية الكبرى . ب- شعوب العالم الثالث .ج- حركات السلام وحماية البيئة ، التي تتعرض لأفدح الأخطار على أيدي رأس المال الكبير الراكض وراء أعلى نسبة من الأرباح .
5- و سيسهم في إنضاج المناخ لبناء هذه الجبهة و تحقيق أهدافها ، نفس إفرازات القوانين الداخلية للعولمة , طالما هي في خدمة رأس المال الكبير . هذه الإفرازات ذات الطابع المدمر أحيانا ، و لكن بأبعاد دولية اكثر من أي وقت مضى . مثال ذلك الأزمة الأخيرة التي بدأت في اليابان ثم امتدت الى جنوب شرق آسيا. فمع ازدياد الترابط و الدمج للأسواق العالمية ستتعمم الأزمات، و يتعمق تأثيرها على مختلف الأسواق العالمية . ومن جانب آخر ستزداد القوة التدميرية لهذه الأزمات ، استنادا الى الميل المتزايد في النشاط المالي العالمي لعمليات المضاربة ، التي غدت تجري بعشرات و مئات مليارات الدولارات يوميا ، وحيث قسم متزايد منها له طابع وهمي ، مما يجعل أي تجاوز في حدود هذه المضاربات محفوفا بمخاطر انهيارات مالية جبارة .
والخلاصة: إن عملية العولمة الجارية تنضج موضوعيا ، واكثر من أي شيء آخر ، مقدمات الثورة الإجتماعية ذات البعد العالمي.
وعلى صعيدنا فقد انعكس هذا الواقع الدولي سلبا على منطقة الشرق الأوسط ، حيث أدى غياب التوازن الدولي، واحتكار الولايات المتحدة لدور الوسيط في عملية السلام، الى جمود هذه العملية . كما أدى انحياز الولايات المتحدة ، ودعمها لإسرائيل ، الى تمكين الأخيرة من الإفلات من مسؤولياتها، وعدم تنفيذ التزاماتها كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.
ان حزبنا ، آخذا هذه التطورات بعين الاعتبار ، سيشدد على ضرورة بقاء عملية السلام في الشرق الأوسط، في إطار الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ، وعلى ان استمرارها ونجاحها مرهون بخدمتها لمصالح أطراف النزاع المختلفة ،وفي مقدمتها شعبنا الفلسطيني . وهذا يستوجب زيادة اعتماد شعبنا على قدراته الذاتية ، وعلى تفعيل التضامن الكفاحي العربي معه . كما سيعمل حزبنا بالتعاون مع القوى الوطنية الفلسطينية الأخرى، على تجنيد أوسع تضامن عالمي مع قضية شعبنا . وسيسعى لتطوير علاقات التعاون والتضامن الكفاحي، مع كل قوى السلام والحرية والديمقراطية على الصعيد العالمي ، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية ، وعن خلفيتها الفكرية والأيديولوجية ، بما فيها قوى السلام الإسرائيلية المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني.
وسيعمل حزبنا من اجل انتهاج سياسة نشطة وواضحة، على الصعيد الدولي ، تؤمن الدعم والمساندة لتنفيذ القرارات الدولية، المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، من جانب إسرائيل.
تأثيرات الوضع داخل إسرائيل
تعرض المجتمع الإسرائيلي منذ بداية العقد الحالي لأول شرخ سياسي عميق بفعل الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبرنامج السلام الفلسطيني . لقد مزقت الانتفاضة و برنامج السلام الغشاوة عن أعين قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي الذي كان ضحية التحريض و الدعاية المغرضة على امتداد عشرات السنين ، والقائلة بأن لا مجال للمصالحة مع الشعب الفلسطيني الذي يستهدف القضاء على دولة إسرائيل . في ضوء هذا التطور النوعي فاقمت المؤسسة الصهيونية الحاكمة من اعتمادها على المؤسسة الدينية الأصولية في إسرائيل , وذلك لتأمين الغطاء الأيديولوجي الذي يبرر إنكار حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه ، وبالتالي استحالة المصالحة معه. و هكذا تفاقمت عملية تصهين الأصوليين ، الذين أقاموا أحزابهم و تنظيماتهم في البدء لتقديم و توسيع الخدمات الدينية ، ولم يكونوا جزءا من المؤسسة السياسية الصهيونية . مقابل ذلك تفاقمت عملية تدين اليمين القومي الإسرائيلي ، الذي لم يبق لديه سوى أساطير التوراة لإنكار حقوق الشعب الفلسطيني .
وفي انتخابات 1996 في إسرائيل فاز تحالف اليمين القومي و الأحزاب الدينية . وكان هذا مؤشرا على زحف المجتمع الإسرائيلي صوب اليمين .
وأمام ضغط هذا التحالف الحاكم ، يقوم الجسم الأساسي في المعارضة "حزب العمل" ، وبخاصة تحت قيادة باراك ، بتراجعات متواصلة ، لصالح برنامج حكومة نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية ، وبالتالي تتضاءل الفوارق بين الطرفين فيما يخص حدود التسوية النهائية مع الفلسطينين . ولكن تضاؤل هذه الفوارق ينضج من جانب آخر المناخ لقيام حكومة وحدة وطنية إسرائيلية .كل هذا يؤثر سلبا على قوى السلام في إسرائيل. و بالمقابل يؤثر عليها سلبا كذلك انحسار النشاط الجماهيري الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبخاصة منذ دخول السلطة الوطنية الفلسطينية .
اما الأقلية القومية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل ، فقد ازدادت الضغوط المختلفة عليها منذ صعود اليمين القومي الديني في إسرائيل ، وتفاقم التحريض ضدها .
لكن من الجانب الآخر تفاقمت بمجيء حكومة اليمين القومي الديني مجموعة من التناقضات التي يعج بها المجتمع الإسرائيلي .
فعلى الصعيد الاقتصادي تؤدي سياسة حكومة نتنياهو - التي تبنت نهج خصخصة الاقتصاد استجابة لمطالب البنك الدولي ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر رصد الأموال الطائله للاستيطان وتوسيعه ، وللآلة العسكرية و متطلبات الاحتلال - في مجملها الى تفاقم البطالة و تشديد الهجوم على مداخيل العمال و الشغيلة . وقد جاء الإضراب العام أوائل أيلول 1998 كتعبير عن رفض هذه السياسات , وكمؤشر على تفاقم الصراع الاجتماعي داخل إسرائيل . و على صعيد آخر يحتدم التناقض بين المتدينين و العلمانيين . فالأولون يشددون من مساعيهم ، كلما تنامت قوتهم ، لفرض شعائرهم و معاييرهم الدينية الأصولية على الحياة العامة في إسرائيل ، والتي يرفضها و يقاومها جمهور العلمانيين . وفي إطار هذه العملية هناك تناقضات و صراعات داخل المعسكر المتدين نفسه بين تيارات الأرثوذكسية و الإصلاحية و المحافظة . كما ان هناك عملية استقطاب موضعي للعلمانيين والأصوليين .
وفي سبيل استثمار هذه التناقضات لصالح التسوية العادلة للنزاع الفلسطيني -الإسرائيلي فإن هذا يتطلب:
1- الاختيار المناسب لأدواتنا النضالية ضد الاحتلال و ممارساته ، والابتعاد عن الأعمال التي تضر بسمعة نضالنا و أهدافه العادلة ، وبالمقابل تعطي الغطاء لسلطات الاحتلال لارتكاب المزيد من الجرائم ضد شعبنا و التضييق عليه .
2- السعي المتواصل لتطوير أشكال العمل المشترك مع قوى السلام الإسرائيلية ، لما يشكله ذلك من ضغط على السلطات الإسرائيلية ، وفي الوقت ذاته ، لما يقدمه من مثال ، لأوساط متزايدة من المجتمع الإسرائيلي ، بإمكانية وضرورة المصالحة التاريخية بين الشعبين ، تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة ، كما أقرتها له الشرعية الدولية .
3- وعلى البعد الاستراتيجي ، تحديث حضارتنا الفلسطينية ، في إطار مجتمع مدني ، والارتفاع بمستواها ، بحيث تغدو قوة جذب و تأثير على قطاعات متزايدة من المجتمع الإسرائيلي ، و بخاصة من أصول عربية وشرقية ، والتي تعاني من طمس و إضطهاد ثقافاتها ، لصالح ثقافة أوروبية مهجنة .
عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وما ترتب على ذلك من تغير نوعي في الوضع الدولي ، حاولت الولايات المتحدة ، ولا تزال ، فرض نظام عالمي جديد ذي القطب الواحد. ولجأت لفرض ذلك الى أدوات وآليات منها :
1- العدوان العسكري المباشر ، كما جرى في حرب الخليج الثانية ، والتي كانت بمثابة استعراض قوة وإنذار ، لدول العالم الثالث في الأساس، وكذلك حشد الأساطيل والجيوش ، كما هو قائم في منطقة الخليج العربي .
2-إحكام القبضة على مجلس الأمن الدولي ، واستصدار قرارات منه تؤمن الغطاء لأعمال العدوان الأميركية ، وكذلك لفرض العقوبات المتفاوتة في قساوتها، كما هو الحال مع كل من العراق وليبيا و السودان .
أما على الصعيد الاقتصادي فتتصدى الولايات المتحدة لزعامة عملية العولمة بإسم الليبرالية الجديدة ، مرفقة بمحاولة تعميم الثقافة الأميركية الاستهلاكية . وقد عرفت هذه العملية في السنوات الأخيرة تطورا أفقيا و عاموديا. أفقيا : بالتوسع في بلدان المعسكر الشرقي ، بعد انهيار أنظمتها بداية هذا العقد. وعاموديا :باستخدام معطيات ثورتي المعلومات و الاتصالات المذهلتين ، جنبا الى جنب مع تعاظم عملية اندماج شركات من جنسيات مختلفة ، تقدر قيمة كل عملية منها بعشرات مليارات الدولارات أحيانا.وفي هذا المضمار تستخدم الولايات المتحدة مجموعة من الأدوات الفاعلة منها : البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة الغات (للتجارة الدولية ) التي تهيمن عليها .
و تؤكد حصيلة التطور العالمي ، خلال عملية العولمة ، ازدياد الهوة بين الدول الغنية و الفقيرة . فإذا بلغ حجم الإنتاج العالمي وفق تقدير حديث خمسة و عشرين تريليون دولار ، فإن نصيب الدول السبعة الكبار منها هو ثمانية عشر تريليونا.و إذ تدمر عملية العولمة ، للشركات ما فوق القومية ، أسوار استقلال الدول - مدعومة بالقيادة السياسية الأميركية ، وذلك لتأمين أفضل الشروط لحركة رأس المال الدولي - فإنها بالمقابل تحدد حركة الإنسان الشغيل .ويمكن القول بأن هناك تناسبا عكسيا بين تطور هذين الطرفين في عملية العولمة . لقد غيرت هذه العملية مفهوم الاستقلال السياسي و الاقتصادي و حتى الثقافي . وتقود عملية العولمة الجارية الى فرز العالم اجتماعيا الى عالمين : العالم الأول و العالم الثالث، الذي يضم ، علاوة على شعوب البلدان المتخلفة ، شغيلة البلدان الرأسمالية المتطورة التي تتعرض مكاسبها للتآكل.
لكن تطلعات الولايات المتحدة للهيمنة العالمية راحت تواجه تحديات ، ينبغي توقع تفاقمها ، نابعة من اعتبارات مختلفة ويمكن منذ الآن رصد بعض مظاهرها الأولية و منها :
1-نمو التعارض بين مصالح الدول الرأسمالية الكبرى- و من تجلياته تحدي شركة توتال الفرنسية لقرار الحظر الأميركي على توظيف مبالغ كبيرة في حقول النفط والغاز الإيرانية - وحيث تلعب الكتل الاقتصادية العملاقة ، كالسوق الأوروبية و منظمة نافتا (التي تضم الأسواق الأميركية و الكندية و المكسيكية) ، دورها في التأثير على حجم وطبيعة هذه التناقضات .
2- التمرد على إرادة واشنطن الموجهة لقرارات مجلس الأمن ، والتي تكيل بمكيالين . وفي هذا الصدد ، اتخذ مؤتمر الوحدة الأفريقية الذي انعقد في حزيران الماضي قرارا بتحدي الحظر المفروض على ليبيا في عدد من جوانبه , ونفذ هذا التحدي عدد من الرؤساء الأفارقة . والشيء ذاته يمكن ان يقال عن خرق الحصار الأميركي على كوبا .
3- و إذا كانت جبهة رأس المال ، التي تقودها الشركات ما فوق القومية ، تزداد جبروتا ، وإذا كانت جبهة العمل بالمقابل على النطاق العالمي ، ما تزال متخلفة عن مستوى هذا التحدي في صورته و اتساعه الجديدين ، فانه ينبغي الافتراض بأن هذه قضية وقت ليس إلا، وان إرهاصات ولادة جبهة عمل عالمية منظمة ، راحت تبدو ظاهرة للعيان ، ولو جزئيا وفي مواقع و حالات متباعدة، كما بدا في مظاهر التضامن الدولي مع مضربي فرنسا العام الماضي، و إضراب عمال مناجم الفحم في بريطانيا العقد الماضي ، مع ضرورة الانتباه لدور التقاليد النضالية للتضامن العمالي الأممي التي كرسها الأول من أيار.
4- و ينبغي الافتراض بأن ثلاثة جداول ستتلاقى بالنتيجة لتشكيل جبهة عالمية عريضة ضد المعطيات السلبية المدمرة لعملية العولمة ، و لتحويل معطيات هذه العملية لصالح البشرية ، وهذه الجداول هي :
أ-شغيلة البلدان الرأسمالية الكبرى . ب- شعوب العالم الثالث .ج- حركات السلام وحماية البيئة ، التي تتعرض لأفدح الأخطار على أيدي رأس المال الكبير الراكض وراء أعلى نسبة من الأرباح .
5- و سيسهم في إنضاج المناخ لبناء هذه الجبهة و تحقيق أهدافها ، نفس إفرازات القوانين الداخلية للعولمة , طالما هي في خدمة رأس المال الكبير . هذه الإفرازات ذات الطابع المدمر أحيانا ، و لكن بأبعاد دولية اكثر من أي وقت مضى . مثال ذلك الأزمة الأخيرة التي بدأت في اليابان ثم امتدت الى جنوب شرق آسيا. فمع ازدياد الترابط و الدمج للأسواق العالمية ستتعمم الأزمات، و يتعمق تأثيرها على مختلف الأسواق العالمية . ومن جانب آخر ستزداد القوة التدميرية لهذه الأزمات ، استنادا الى الميل المتزايد في النشاط المالي العالمي لعمليات المضاربة ، التي غدت تجري بعشرات و مئات مليارات الدولارات يوميا ، وحيث قسم متزايد منها له طابع وهمي ، مما يجعل أي تجاوز في حدود هذه المضاربات محفوفا بمخاطر انهيارات مالية جبارة .
والخلاصة: إن عملية العولمة الجارية تنضج موضوعيا ، واكثر من أي شيء آخر ، مقدمات الثورة الإجتماعية ذات البعد العالمي.
وعلى صعيدنا فقد انعكس هذا الواقع الدولي سلبا على منطقة الشرق الأوسط ، حيث أدى غياب التوازن الدولي، واحتكار الولايات المتحدة لدور الوسيط في عملية السلام، الى جمود هذه العملية . كما أدى انحياز الولايات المتحدة ، ودعمها لإسرائيل ، الى تمكين الأخيرة من الإفلات من مسؤولياتها، وعدم تنفيذ التزاماتها كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.
ان حزبنا ، آخذا هذه التطورات بعين الاعتبار ، سيشدد على ضرورة بقاء عملية السلام في الشرق الأوسط، في إطار الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ، وعلى ان استمرارها ونجاحها مرهون بخدمتها لمصالح أطراف النزاع المختلفة ،وفي مقدمتها شعبنا الفلسطيني . وهذا يستوجب زيادة اعتماد شعبنا على قدراته الذاتية ، وعلى تفعيل التضامن الكفاحي العربي معه . كما سيعمل حزبنا بالتعاون مع القوى الوطنية الفلسطينية الأخرى، على تجنيد أوسع تضامن عالمي مع قضية شعبنا . وسيسعى لتطوير علاقات التعاون والتضامن الكفاحي، مع كل قوى السلام والحرية والديمقراطية على الصعيد العالمي ، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية ، وعن خلفيتها الفكرية والأيديولوجية ، بما فيها قوى السلام الإسرائيلية المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني.
وسيعمل حزبنا من اجل انتهاج سياسة نشطة وواضحة، على الصعيد الدولي ، تؤمن الدعم والمساندة لتنفيذ القرارات الدولية، المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، من جانب إسرائيل.
تأثيرات الوضع داخل إسرائيل
تعرض المجتمع الإسرائيلي منذ بداية العقد الحالي لأول شرخ سياسي عميق بفعل الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبرنامج السلام الفلسطيني . لقد مزقت الانتفاضة و برنامج السلام الغشاوة عن أعين قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي الذي كان ضحية التحريض و الدعاية المغرضة على امتداد عشرات السنين ، والقائلة بأن لا مجال للمصالحة مع الشعب الفلسطيني الذي يستهدف القضاء على دولة إسرائيل . في ضوء هذا التطور النوعي فاقمت المؤسسة الصهيونية الحاكمة من اعتمادها على المؤسسة الدينية الأصولية في إسرائيل , وذلك لتأمين الغطاء الأيديولوجي الذي يبرر إنكار حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه ، وبالتالي استحالة المصالحة معه. و هكذا تفاقمت عملية تصهين الأصوليين ، الذين أقاموا أحزابهم و تنظيماتهم في البدء لتقديم و توسيع الخدمات الدينية ، ولم يكونوا جزءا من المؤسسة السياسية الصهيونية . مقابل ذلك تفاقمت عملية تدين اليمين القومي الإسرائيلي ، الذي لم يبق لديه سوى أساطير التوراة لإنكار حقوق الشعب الفلسطيني .
وفي انتخابات 1996 في إسرائيل فاز تحالف اليمين القومي و الأحزاب الدينية . وكان هذا مؤشرا على زحف المجتمع الإسرائيلي صوب اليمين .
وأمام ضغط هذا التحالف الحاكم ، يقوم الجسم الأساسي في المعارضة "حزب العمل" ، وبخاصة تحت قيادة باراك ، بتراجعات متواصلة ، لصالح برنامج حكومة نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية ، وبالتالي تتضاءل الفوارق بين الطرفين فيما يخص حدود التسوية النهائية مع الفلسطينين . ولكن تضاؤل هذه الفوارق ينضج من جانب آخر المناخ لقيام حكومة وحدة وطنية إسرائيلية .كل هذا يؤثر سلبا على قوى السلام في إسرائيل. و بالمقابل يؤثر عليها سلبا كذلك انحسار النشاط الجماهيري الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبخاصة منذ دخول السلطة الوطنية الفلسطينية .
اما الأقلية القومية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل ، فقد ازدادت الضغوط المختلفة عليها منذ صعود اليمين القومي الديني في إسرائيل ، وتفاقم التحريض ضدها .
لكن من الجانب الآخر تفاقمت بمجيء حكومة اليمين القومي الديني مجموعة من التناقضات التي يعج بها المجتمع الإسرائيلي .
فعلى الصعيد الاقتصادي تؤدي سياسة حكومة نتنياهو - التي تبنت نهج خصخصة الاقتصاد استجابة لمطالب البنك الدولي ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر رصد الأموال الطائله للاستيطان وتوسيعه ، وللآلة العسكرية و متطلبات الاحتلال - في مجملها الى تفاقم البطالة و تشديد الهجوم على مداخيل العمال و الشغيلة . وقد جاء الإضراب العام أوائل أيلول 1998 كتعبير عن رفض هذه السياسات , وكمؤشر على تفاقم الصراع الاجتماعي داخل إسرائيل . و على صعيد آخر يحتدم التناقض بين المتدينين و العلمانيين . فالأولون يشددون من مساعيهم ، كلما تنامت قوتهم ، لفرض شعائرهم و معاييرهم الدينية الأصولية على الحياة العامة في إسرائيل ، والتي يرفضها و يقاومها جمهور العلمانيين . وفي إطار هذه العملية هناك تناقضات و صراعات داخل المعسكر المتدين نفسه بين تيارات الأرثوذكسية و الإصلاحية و المحافظة . كما ان هناك عملية استقطاب موضعي للعلمانيين والأصوليين .
وفي سبيل استثمار هذه التناقضات لصالح التسوية العادلة للنزاع الفلسطيني -الإسرائيلي فإن هذا يتطلب:
1- الاختيار المناسب لأدواتنا النضالية ضد الاحتلال و ممارساته ، والابتعاد عن الأعمال التي تضر بسمعة نضالنا و أهدافه العادلة ، وبالمقابل تعطي الغطاء لسلطات الاحتلال لارتكاب المزيد من الجرائم ضد شعبنا و التضييق عليه .
2- السعي المتواصل لتطوير أشكال العمل المشترك مع قوى السلام الإسرائيلية ، لما يشكله ذلك من ضغط على السلطات الإسرائيلية ، وفي الوقت ذاته ، لما يقدمه من مثال ، لأوساط متزايدة من المجتمع الإسرائيلي ، بإمكانية وضرورة المصالحة التاريخية بين الشعبين ، تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة ، كما أقرتها له الشرعية الدولية .
3- وعلى البعد الاستراتيجي ، تحديث حضارتنا الفلسطينية ، في إطار مجتمع مدني ، والارتفاع بمستواها ، بحيث تغدو قوة جذب و تأثير على قطاعات متزايدة من المجتمع الإسرائيلي ، و بخاصة من أصول عربية وشرقية ، والتي تعاني من طمس و إضطهاد ثقافاتها ، لصالح ثقافة أوروبية مهجنة .
الإثنين مايو 09, 2011 9:32 pm من طرف حشفاوي عنيد
» الحزب الشيوعي المصري يخرج للعلن بعد 90 عاماً من الحظر
الإثنين مايو 02, 2011 5:55 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنىء الطبقة العاملة الفلسطينية بعيد العمال العالمي
الإثنين مايو 02, 2011 5:52 pm من طرف Admin
» هل يهمكم نجاح المنتدى ... إذا ادخلوا هنا وخذوا بعض الإرشادات.
الإثنين مايو 02, 2011 5:50 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنئ الطوائف المسيحية بحلول الاعياد المجيدة
الأحد مايو 01, 2011 12:04 am من طرف ابو مالك
» الصالحي: كل التحية للشعب المصري ومن اجل تعزيز الارادة الشعبية الفلسطينية
الجمعة فبراير 04, 2011 4:01 am من طرف Admin
» حزب الشعب: الصمود السياسي واستخلاص العبر كفيل بحماية منظمة التحرير الفلسطينية
الإثنين يناير 31, 2011 6:22 pm من طرف Guevara
» عميره: ما نشر عني حول وثائق الجزيرة جاء مجتزءا ولم يغط جميع جوانبه
الإثنين يناير 31, 2011 6:20 pm من طرف Guevara
» عميره لــ " الاتحاد ":لو كان توجه "الجزيرة" حياديًا لما تم عرضه بهذه الطريقة المسيئة للشعب الفلسطيني
الإثنين يناير 31, 2011 6:18 pm من طرف Guevara