تأسيس دولة إسرائيل ونتائج حرب 1948
في صبيحة الخامس عشر من أيار 1948 أعلنت الحركة الصهيونية عن قيام دولة إسرائيل، ورفض الجزء الخاص بإنشاء دولة عربية في فلسطين حسب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة ، وبقيت الإطماع في فلسطين تراود زعماء الحركة الصهيونية بقيام دولتهم على كل الأرض الفلسطينية ، بل ويتعدى ذلك لتحقيق الحلم الصهيوني بقيام دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات . في نفس يوم الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل ، أعلنت خمسة دول عربية هي ( العراق ، سوريا ، مصر ، الأردن ، ولبنان ) الحرب على إسرائيل من أجل " تحرير" الأراضي الفلسطينية ومنع قيام هذه الدولة على الأراضي الفلسطينية ، وعدم فتح المجال لتمزيق فلسطين ، والعمل على " إقامة دولة فلسطينية " موحدة على كل الأرض الفلسطينية . وبعد شهر من دخول الجيوش العربية إلى فلسطين تم الإعلان عن الهدنة العسكرية الأولى بطلب من مجلس الأمن ، والتي على أثرها قامت العصابات الصهيونية باستغلالها في توسع تواجدها في بعض المناطق وتثبيت مواقعها في المناطق المتواجدة فيها ، وتقديم الإمدادات اللوجستية إلى قواتها المحاصرة في مناطق أخرى .
قبل يوم واحد من دخول الجيوش العربية إلى فلسطين ، وافقت الأمم المتحدة على إيقاف عمل لجنة التقسيم التي شكلتها لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارها بتقسيم فلسطين إلى دولتين . لكن بوادر تنفيذ هذا القرار من الناحية العملية في تلك الظروف لم تكن واقعية ، ولهذا تم الموافقة على اقتراح الولايات المتحدة الامريكية بتعيين وسيط دولي يختاره ممثلو الدول الخمس الكبرى ، حيث تتمثل مهمته الرئيسية في ضمان سلامة المواطنين الفلسطينيين وحماية الأماكن المقدسة والعمل على الاتصال بكل الأطراف المعنية من اجل التقدم بمشروع متكامل لحل المشكلة . وفي السابع والعشرين من أيار 1948 ، تقدم الوسيط الدولي الكونت برنادوت ( سويدي ) ، باقتراحات اعتبرها تصلح أساسا لتسوية سلمية ، وقد تم ارسالها إلى الحكومات العربية والوكالة اليهودية وهيئة الأمم المتحدة على حد سواء ، حيث تتلخص هذه المقترحات" بمشروع متكامل لحل المشكلة من خلال تشكيل اتحاد عربي يهودي في فلسطين يشمل شرقي الأردن ، ويتألف من عضوين مستقلين أحدهما عربي والأخر يهودي ، وتعيين حدود الدولتين العضوين بمساعدة الوسيط الدولي ، مع الاقتراح بضم النقب إلى الأراضي العربية وضم منطقة الجليل الغربي كلها إلى القسم اليهودي ، وضم مدينة القدس إلى الأراضي العربية ، ومنح الطائفة اليهودية فيها استقلالا ذاتيا " . أكرم زعيتر ، القضية الفلسطينية ص 223 .
لقد كان الرد على مقترحات الوسيط الدولي الكونت برنادوت ، ومن قبل الطرفين المتنازعين سلبيا . فالعرب يرفضون من حيث المبدأ أي مشروع على أساس تقسيم فلسطين، في حين أن الوكالة اليهودية لا تقبل أي حل لا يقوم على أساس الاعتراف بدولتهم التي أعلنوها في الخامس عشر من أيار 1948. وعلى اثر ذلك تم استئناف القتال بين الطرفين رغم إعلان الهدنة من قبل الأمم المتحدة. إن مجرى المعارك لم يكن لصالح الجيوش العربية، فوافقت على الهدنة الثانية التي أعلنت في السابع عشر من تموز 1947. وفي السابع من أيلول اغتالت عصابة شتيرن الصهيونية الوسيط الدولي الكونت برنادوت ، نتيجة مقترحاته الجديدة التي تقدم بها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة .
لقد تمخضت حرب 1948 عن نتائج مباشرة وخطيرة على الشعب الفلسطيني، فنتيجة هذه الحرب، حرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة حسب قرار هيئة الأمم المتحدة، والأكثر من ذلك فقد شتت وهجر إلى البلاد العربية المجاورة تاركا أملاكه وأراضيه عرضة للنهب نتجة المذابح التي تتعرض لها من قبل العصابات الصهيونية . ويتضح من إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الانوروا التي تأسست في 8 كانون ثاني
1949 في الدورة الرابعة وبقرار رقم 302، وبدأت نشاطاتها في أيار 1950، أن 38,6 % فقط من مجموع اللاجئين الفلسطينيين الذين هاجروا من ديارهم كانوا يقيمون في معسكرات تحت إشراف هذه الوكالة .
ومن النتائج المباشرة أيضا لهذه الحرب أن قامت دولة إسرائيل ليس فقط على مساحة الأراضي التي خصصت حسب قرار التقسيم وهي نسبة 56% من مساحة أراضي فلسطين التاريخية ، بل أقيمت هذه الدولة على مساحة 81% من أراضي فلسطين ، حيث احتلت في هذه الحرب جزء كبيرا من ألأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية . أما على صعيد التكوين الطبقي للشعب الفلسطيني، فقد جاءت هذه الحرب لتحطمه وتقضي على حركته الوطنية التي أصبحت فيما بعد جزء من الحركة الوطنية العربية في البلد الذي تواجدت فيه. وقد جرت من إسرائيل وبريطانيا وأمريكا والرجعية العربية محاولات للقضاء على الهوية الفلسطينية ، وطمس الشخصية الفلسطينية عبر مشاريع توطينهم في بعض البلدان العربية والعمل بالتالي على صهرهم ودمجهم في هذه المجتمعات دمجا كاملا ، وإلغاء كافة والتعابير السياسية والمؤسسات الشعبية والنقابية الفلسطينية المستقلة . لكن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل ، وبقيت القضية الفلسطينية على مدار أكثر من ستين عاما في مركز اهتمام الشعوب العربية وقواه الوطنية ، بالرغم من تراجعها في بعض الأحيان إلى المركز الثاني من الاهتمام . ولقد لعبت العديد من العوامل في منع الشعب الفلسطيني من الذوبان ضمن المجتمعات العربية ومن أهمها:
1- الوعي القومي العام ، والوطني الخاص للشعوب العربية والشعب الفلسطيني الذي ساد ما بعد حرب عام 1948 ، والذي رفض بدوره نتائج هذه الحرب ، وقد انعكس هذا الوعي في طبيعة العلاقة المتينة بين الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية ، والحفاظ على القضية الوطنية الفلسطينية حية في أذهانهم وقلوبهم بشكل دائم .
2- لقد كان قرار هيئة الأمم المتحدة بتشكيل وكالة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين دور مهم في الحفاظ على أمل عودة المهاجرين الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم ، بل كان لتشكيل هذه الوكالة أيضا دور في الإبقاء على القضية الفلسطينية حية في أروقة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي .
3- لقد كان لقرارات بعض الدول العربية عدم منح اللاجئين الفلسطينيين حق حرية التملك ومنحهم جنسيات وحيازتهم جوازات سفر، دورا في الحفاظ على الشخصية الوطنية الفلسطينية ودور مساعد في الإبقاء على قضيتهم حية.
يتضح مما مضى بأن الاستعمار البريطاني قد عمل كل ما في وسعه وبذل جهدا كبيرا في تنفيذ وعده ليس فقط بإقامة "وطن قومي يهودي" في فلسطين ، بل والحفاظ علة هذا " الوطن " من محاولات ضربه وضمان أمنه عبر تبديد الشخصية الوطنية الفلسطينية والقضاء على حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة وبالاتفاق مع الأنظمة العربية الرجعية وخاصة الأردن التي وقعت على اتفاق لضمان عدم قيام هذه الدولة وضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية إلى شرق الأردن . " ففي شباط 1948 ، اتفق رئيس الوزراء الأردني توفيق أبو الهدى مع المستر بيفن وزير خارجية بريطانيا على تعديل معاهدة 1946 بإقرار خطة تقضي بإدارة الأردن للأراضي العربية ( وفقا لقرار التقسيم ) بعد جلاء القوات البريطانية عنها " . عصام الفايز ، النظام الهاشمي والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني دار ابن خلدون للطباعة والنشر/ بيروت ، ص 27- 28. من الواضح أن هذا الاتفاق عكس رغبة الأردن بعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة حسب قرار التقسيم، علما أن هذه الرغبة لا تتفق مع قرارات جامعة الدول العربية القاضية " بإقامة إدارة فلسطينية لتسيير شؤون
الأقسام التي تحتلها الجيوش العربية أسوة بما أقدمت عليه الحركة الصهيونية ". عيسى الشعيبي ، الكيانية الفلسطينية ص19 . لكن الأردن انتقل من مرحلة الاتفاق النظري مع الاستعمار البريطاني إلى مرحلة التنفيذ العملي، حيث طلب من أعوانه، الوجهاء التقليديين والذين وجدوا مصالحهم الخاصة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأردن، بضرورة القيام بخطوة عملية لضم الأراضي الفلسطينية إلى شرق الأردن.
الإثنين مايو 09, 2011 9:32 pm من طرف حشفاوي عنيد
» الحزب الشيوعي المصري يخرج للعلن بعد 90 عاماً من الحظر
الإثنين مايو 02, 2011 5:55 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنىء الطبقة العاملة الفلسطينية بعيد العمال العالمي
الإثنين مايو 02, 2011 5:52 pm من طرف Admin
» هل يهمكم نجاح المنتدى ... إذا ادخلوا هنا وخذوا بعض الإرشادات.
الإثنين مايو 02, 2011 5:50 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنئ الطوائف المسيحية بحلول الاعياد المجيدة
الأحد مايو 01, 2011 12:04 am من طرف ابو مالك
» الصالحي: كل التحية للشعب المصري ومن اجل تعزيز الارادة الشعبية الفلسطينية
الجمعة فبراير 04, 2011 4:01 am من طرف Admin
» حزب الشعب: الصمود السياسي واستخلاص العبر كفيل بحماية منظمة التحرير الفلسطينية
الإثنين يناير 31, 2011 6:22 pm من طرف Guevara
» عميره: ما نشر عني حول وثائق الجزيرة جاء مجتزءا ولم يغط جميع جوانبه
الإثنين يناير 31, 2011 6:20 pm من طرف Guevara
» عميره لــ " الاتحاد ":لو كان توجه "الجزيرة" حياديًا لما تم عرضه بهذه الطريقة المسيئة للشعب الفلسطيني
الإثنين يناير 31, 2011 6:18 pm من طرف Guevara