الطائرة
ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي وأنا في الرابعة والثلاثين من العمر.
كانت الطائرة رابضة في مطار دمشق، وقد جئنا إليها من بيروت.
وصلنا بيروت منذ شهرين، بعد أن قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعادنا من أرض الوطن. ركبنا السيارة متجهين إلى دمشق، نمنا تلك الليلة في بيت ضمين حسين عودة، ( أحد قادة الحزب في الأرض المحتلة، أبعدته سلطات الاحتلال من البيرة العام 1974 ثم عاد إلى الوطن ومات العام 2006 ) وفي الصباح الباكر اتجهنا إلى مطار دمشق. كنا مسافرين إلى هلسنكي لتقديم شهادة أمام لجنة من مجلس السلم العالمي عن تجربتنا في سجون الاحتلال.
أخذت الطائرة تتحرك ببطء فوق مدرج المطار، وراح سليمان يشرح لي تفاصيل اللحظة التي تنفصل فيها الطائرة عن الأرض، ثم تحلق في السماء. إنها لحظة عادية، ولا تستحق أي تهيب أو قلق، هذا ما قاله سليمان، الذي لا يتخلى عن حرصه على أصدقائه ورفاقه حتى في أبسط التفاصيل.
فيما كانت الطائرة موغلة في اقتحام السماء، كنا، سليمان وأنا، نراجع همومنا على الأرض. كنا نراجع تلك الهموم ونحلم أحلاماً كبيرة، والطائرة لا تتراجع عن هدفها المحدد: هلسنكي النائمة في حضن الشمال.
بودابست
أول مدينة أوربية أحط فيها الرحال هي بودابست.
كنا أربعة مسافرين متجهين إلى هلسنكي. وعلينا أن ننتظر في بودابست أربع ساعات في انتظار أن تطير الطائرة إلى هناك. مشينا في شوارع بودابست كما لم نمشِ من قبل، وكنت مبهوراً بالمدينة، بشوارعها وسياراتها وأبنيتها المتراصة المنتشرة في كل اتجاه، بنهر الدانوب فيها، بأشجار الأرصفة وبالمقاهي والمطاعم المكتظة بالناس.
وكنا نعلق على كل شيء نراه أو نصادفه في طريقنا. جلسنا في مقهى مطل على النهر. راقبنا السفن الراسية على حافة النهر، انتظاراً لرحلات نهرية لا نعرف مداها. راقبنا الخلق الذين يتدفقون في الشوارع مثل سيل لا ينقطع عن الجريان. وكنت مغتبطاً بكل شيء. بودابست تعيش يوماً من أيام الربيع المشمسة، والحياة تتفتح من حولنا مثل زهور يانعة. وكنا نمزح ونضحك ونمشي ونعلق على كل شيء.
كنا أربعة، ولم نكن نعرف يومها أن سليمان سيكون أولنا على طريق الغياب، الذي سيعلن عن نفسه بعد أربع وعشرين سنة!
فندق في هلسنكي
وصلنا إلى هلسنكي عصر أحد الأيام، وكان الفصل ربيعاً.
كنا قادمين من مواقع شتى لتقديم شهادة أمام لجنة من مجلس السلم العالمي حول الممارسات غير الإنسانية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. جاء سليمان النجاب وعبد الله الحوراني والدكتور مصطفى ملحم وأنا من بيروت (سليمان ومصطفى وصلا إلى بيروت قادمين من عمان). جاءت المحامية فيليتسيا لانغر والكاتب مردخاي أبي شاؤول من تل أبيب. وكان مازن الحسيني يعمل في مجلس السلم ويقيم في هلسنكي آنذاك. أقمنا في فندق لم أعد أتذكر اسمه.
فيليتسيا لانغر كانت تدافع عن سليمان وعني أثناء وجودنا في السجون الإسرائيلية، وهي الآن ترانا للمرة الأولى بعد خروجنا من السجن. أبدت اهتماماً كبيراً بنا جميعاً، أبدت اهتماماً خاصاً بسليمان، لأنها كانت معجبة بصموده أمام التعذيب الشديد في زنازين المخابرات الإسرائيلية. كنا نلتقيها في المطعم التابع للفندق، ونتبادل الذكريات عن تلك الأيام. وذات مرة التقط لنا مصور بارع صورة ضمتنا نحن الأربعة: فيليتسيا لانغر، سليمان النجاب، مردخاي أبي شاؤول، وأنا. وما زلت أحتفظ بالصورة في أرشيف الصور لدي، حتى الآن.
الإقامة في الفندق كانت ممتعة بعد شظف العيش في الزنازين. كان ذلك هو الفندق الأول الذي أقيم فيه في مدينة أوربية، وكانت هلسنكي المدينة الأوربية الأولى التي أزورها وأقيم فيها بضعة أيام. بالنسبة لسليمان لم يكن هذا هو الفندق الأول الذي يقيم فيه، إذ سبق له أن زار أوربا والاتحاد السوفياتي مرة واحدة في سنوات الخمسينيات، رغم ظروف العمل الحزبي السري آنذاك.
ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي وأنا في الرابعة والثلاثين من العمر.
كانت الطائرة رابضة في مطار دمشق، وقد جئنا إليها من بيروت.
وصلنا بيروت منذ شهرين، بعد أن قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعادنا من أرض الوطن. ركبنا السيارة متجهين إلى دمشق، نمنا تلك الليلة في بيت ضمين حسين عودة، ( أحد قادة الحزب في الأرض المحتلة، أبعدته سلطات الاحتلال من البيرة العام 1974 ثم عاد إلى الوطن ومات العام 2006 ) وفي الصباح الباكر اتجهنا إلى مطار دمشق. كنا مسافرين إلى هلسنكي لتقديم شهادة أمام لجنة من مجلس السلم العالمي عن تجربتنا في سجون الاحتلال.
أخذت الطائرة تتحرك ببطء فوق مدرج المطار، وراح سليمان يشرح لي تفاصيل اللحظة التي تنفصل فيها الطائرة عن الأرض، ثم تحلق في السماء. إنها لحظة عادية، ولا تستحق أي تهيب أو قلق، هذا ما قاله سليمان، الذي لا يتخلى عن حرصه على أصدقائه ورفاقه حتى في أبسط التفاصيل.
فيما كانت الطائرة موغلة في اقتحام السماء، كنا، سليمان وأنا، نراجع همومنا على الأرض. كنا نراجع تلك الهموم ونحلم أحلاماً كبيرة، والطائرة لا تتراجع عن هدفها المحدد: هلسنكي النائمة في حضن الشمال.
بودابست
أول مدينة أوربية أحط فيها الرحال هي بودابست.
كنا أربعة مسافرين متجهين إلى هلسنكي. وعلينا أن ننتظر في بودابست أربع ساعات في انتظار أن تطير الطائرة إلى هناك. مشينا في شوارع بودابست كما لم نمشِ من قبل، وكنت مبهوراً بالمدينة، بشوارعها وسياراتها وأبنيتها المتراصة المنتشرة في كل اتجاه، بنهر الدانوب فيها، بأشجار الأرصفة وبالمقاهي والمطاعم المكتظة بالناس.
وكنا نعلق على كل شيء نراه أو نصادفه في طريقنا. جلسنا في مقهى مطل على النهر. راقبنا السفن الراسية على حافة النهر، انتظاراً لرحلات نهرية لا نعرف مداها. راقبنا الخلق الذين يتدفقون في الشوارع مثل سيل لا ينقطع عن الجريان. وكنت مغتبطاً بكل شيء. بودابست تعيش يوماً من أيام الربيع المشمسة، والحياة تتفتح من حولنا مثل زهور يانعة. وكنا نمزح ونضحك ونمشي ونعلق على كل شيء.
كنا أربعة، ولم نكن نعرف يومها أن سليمان سيكون أولنا على طريق الغياب، الذي سيعلن عن نفسه بعد أربع وعشرين سنة!
فندق في هلسنكي
وصلنا إلى هلسنكي عصر أحد الأيام، وكان الفصل ربيعاً.
كنا قادمين من مواقع شتى لتقديم شهادة أمام لجنة من مجلس السلم العالمي حول الممارسات غير الإنسانية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. جاء سليمان النجاب وعبد الله الحوراني والدكتور مصطفى ملحم وأنا من بيروت (سليمان ومصطفى وصلا إلى بيروت قادمين من عمان). جاءت المحامية فيليتسيا لانغر والكاتب مردخاي أبي شاؤول من تل أبيب. وكان مازن الحسيني يعمل في مجلس السلم ويقيم في هلسنكي آنذاك. أقمنا في فندق لم أعد أتذكر اسمه.
فيليتسيا لانغر كانت تدافع عن سليمان وعني أثناء وجودنا في السجون الإسرائيلية، وهي الآن ترانا للمرة الأولى بعد خروجنا من السجن. أبدت اهتماماً كبيراً بنا جميعاً، أبدت اهتماماً خاصاً بسليمان، لأنها كانت معجبة بصموده أمام التعذيب الشديد في زنازين المخابرات الإسرائيلية. كنا نلتقيها في المطعم التابع للفندق، ونتبادل الذكريات عن تلك الأيام. وذات مرة التقط لنا مصور بارع صورة ضمتنا نحن الأربعة: فيليتسيا لانغر، سليمان النجاب، مردخاي أبي شاؤول، وأنا. وما زلت أحتفظ بالصورة في أرشيف الصور لدي، حتى الآن.
الإقامة في الفندق كانت ممتعة بعد شظف العيش في الزنازين. كان ذلك هو الفندق الأول الذي أقيم فيه في مدينة أوربية، وكانت هلسنكي المدينة الأوربية الأولى التي أزورها وأقيم فيها بضعة أيام. بالنسبة لسليمان لم يكن هذا هو الفندق الأول الذي يقيم فيه، إذ سبق له أن زار أوربا والاتحاد السوفياتي مرة واحدة في سنوات الخمسينيات، رغم ظروف العمل الحزبي السري آنذاك.
الإثنين مايو 09, 2011 9:32 pm من طرف حشفاوي عنيد
» الحزب الشيوعي المصري يخرج للعلن بعد 90 عاماً من الحظر
الإثنين مايو 02, 2011 5:55 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنىء الطبقة العاملة الفلسطينية بعيد العمال العالمي
الإثنين مايو 02, 2011 5:52 pm من طرف Admin
» هل يهمكم نجاح المنتدى ... إذا ادخلوا هنا وخذوا بعض الإرشادات.
الإثنين مايو 02, 2011 5:50 pm من طرف Admin
» حزب الشعب يهنئ الطوائف المسيحية بحلول الاعياد المجيدة
الأحد مايو 01, 2011 12:04 am من طرف ابو مالك
» الصالحي: كل التحية للشعب المصري ومن اجل تعزيز الارادة الشعبية الفلسطينية
الجمعة فبراير 04, 2011 4:01 am من طرف Admin
» حزب الشعب: الصمود السياسي واستخلاص العبر كفيل بحماية منظمة التحرير الفلسطينية
الإثنين يناير 31, 2011 6:22 pm من طرف Guevara
» عميره: ما نشر عني حول وثائق الجزيرة جاء مجتزءا ولم يغط جميع جوانبه
الإثنين يناير 31, 2011 6:20 pm من طرف Guevara
» عميره لــ " الاتحاد ":لو كان توجه "الجزيرة" حياديًا لما تم عرضه بهذه الطريقة المسيئة للشعب الفلسطيني
الإثنين يناير 31, 2011 6:18 pm من طرف Guevara